{ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي أعداء، يعادي بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً | فكيفَ يختارُ الإنسانُ صديقَهُ؟ وما مُميِّزاتُ الصديقِ الذي يَنبغي أن يحرصَ العبدُ على مُصاحَبتِه؟ وكيفَ يُردي الصديقُ صديقَهُ؟ وكيف يرفَعُهُ عندَ اللهِ تعالى درجات؟ وكيف أوصى اللهُ تعالى باتِّخاذِ الأصدقاء؟ وكيف تكلمَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام عنهم، وذكرَ الآدابَ معهم؟ يقولُ نبيُّنا صلواتُ ربي وسلامُهُ عليه: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» رواه أحمد وأبوداود ، أي:المرءُ على دينِ مَن يُصاحِبُ ويَتخِذُهُ خليلاً مُقَرَّباً |
---|---|
وكأنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام يُنَبِّهُ هنا إلى أنَّ المرءَ إذا صاحبَ السيِّئين، ربَّما جَروهُ إلى ما يَقَعونَ فيهِ من أخطاءَ حتى لو لم يَشعُرْ بذلك؛ ولذلك قالَ رَبُّنا جلَّ وعلا مُوَجِّهاً نبيّنا عليه الصلاة والسلام: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} يعني إن كُنتَ مُريداً لصاحِبٍ أو صديقٍ أو أخٍ فاصبِرْ نَفسَكَ معَ هؤلاءِ حتى يُعينوكَ على طاعةِ اللهِ جلَّ وعلا | أيُّها الأحبَّةُ الكرام : كان السلفُ الصالحُ رحمهم الله يَحرِصونَ على مُصاحَبَةِ الأخيارِ والصالحينَ أشدَّ الحرصِ، ويَجتنِبونَ أهلَ السوءِ والعطالَةِ ممن قد يُؤَثِّرُ فيهم بألفاظِهِ أو بأفعالِه, قال إمام التابعين الحسنُ البصري رحمه الله تعالى: استَكثِروا من الأصحابِ الصالحينَ في الدنيا، فإنَّهم يَنفَعونَ يومَ القيامة |
الصحبة الصالحة وأثرها في الدنيا والآخرة إنّ الحمدَ لله, نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونعوذُ باللهِ تعالى من شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه ومن يُضلِلْ فلا هادِيَ له وأشهدُ أن لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ جلَّ عن الشبيهِ والمَثيلِ والندِّ والنظير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وخليلُهُ وخيرتُهُ من خلقهِ وأمينُهُ على وحيهِ، أرسلَهُ ربُّه رحمةً للعالمين وحُجَّةً عن العبادِ أجمعين فهدى اللهُ تعالى بهِ من الضلالةِ وبَصَّرَ بهِ من الجَهالَةِ وجمعَ بهِ بعدَ الفُرقَةِ ولَـمَّ بهِ بعدَ الشتاتِ فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى آلهِ الطيبينَ وأصحابهِ الغُرِّ الـمَيامين ما اتَّصلَتْ عينٌ بنظر ووَعَتْ أذُنٌ بخبَر وسلَّمَ تَسليماً كثيراً , أما بعد: أيُّها الإخوةُ المؤمنون : فطرَ اللهُ جلَّ وعلا الإنسانَ، وجعَلَهُ يَـميلُ بطبيعَتِهِ وفِطرَتِه إلى أشياء ، فجعلَ الرجلَ يميلُ إلى المرأة، وهي تميلُ إليهِ أيضاً، وجعلَ الإنسانَ يُحِبُّ المالَ حباً جَمّاً طبعاً وفِطرَة، وجعلَ الأبَ يَحنو على ولَدِهِ ويَعطِفُ عليهِ كثيراً بِفطرتِه, وإنَّ مـمَّا فطرَ اللهُ سبحانه وتعالى الناسَ عليهِ أن يكونَ للمرءِ صديقٌ وخِلٌ يُؤنسُه، فإمّا أن يكونَ له صديقٌ وخليلٌ دائم، أو أن يكونَ صديقاً عاماً أو زَميلاً يرافقه في الطريق.
23الصحبة السيئة تنفع صاحبها في في بعض الأحيان قد تربكك الصداقة فأنت لست متأكدًا حقًا من مدى ولاء صديقك لك ودعمه وصدقه، فإذا كان لديك رد فعل غريزي يخبرك أن صداقتكما ليست على ما يرام، فقد يكون الوقت قد حان لتحديد ما هو هذا الشخص حقًا وما إذا كانت هذه صداقة تستحق الاحتفاظ بها أم لا | ومعنى: " وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً " فحامِلُ المسكِ هذا، إن عَدِمْتَ هَدِيَّتَه، ولم تَنَلْ من عِطرِهِ شيئاً، فإنَّكَ سَتَجِدُ منهُ بلا شَكٍّ رائِحَةً زكيّةً تُنعِشُ النَّفْسَ، وكذا الجليسُ الصالحُ فإنك إن لم تتأثرْ بهِ وبأخلاقِه الحميدَةِ، فإنك ستكسَبُ سمعةً طيِّبةً جرّاءَ مُصاحَبِته، فإذا رآكَ الناسُ معهُ قالوا: ما شاءَ الله! فيلعن كل واحد منهما صاحبه |
---|---|
رواه مالك وصحح إسناده ابن عبد البر والمنذري والنووي | الصحبة السيئة تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة نظرا لما أشرنا له سابقا حول مدى أهمية الصداقة وتأثيرها على حياتنا، الأمر الذي يجعل الإنسان أكثر حرصا على اختيار أصدقاء، حيث يسعى إلى اختيار الأصدقاء ذو الأخلاق الحسنة والحميدة، والتي تدفع بصاحبها نحو الأفضل دائما، وفي ضوء ذلك سنقوم بالإجابة عن السؤال المذكور أعلاه بالنحو الآتي |
قيلَ لَهُ: كيفَ يَنفَعون؟ فقال الحسن البصري: بينما أهلُ الجنةِ في الجنة، إذْ تَذاكَروا أصحابَهم في الدنيا وأحوالَهم، فيقول قائلُهم: ما فعلَ صديقي فلان؟- أنا كانَ عندي صديقٌ في المدرسةِ، أو ربما في الحيِّ الذي أسكنُ فيه، أو في الجامِعَةِ، أو في العملِ معي- لا أراهُ في الجنة، ما فعلَ صديقي فلان؟ فيقالُ: هو في النار، فيقولُ هذا المؤمنُ: يا ربِّ لا تَكتَمِلُ لَذَّتي بالجنةِ إلَّا إذا كانَ معي صديقي فلان، عندَها يأمُرُ اللهُ تعالى فَيُخرَجُ صديقُهُ من النار إلى الجنة - لا لأجلِ عملٍ صالحٍ من قيامِ ليلٍ أو صيامِ نهارٍ أو قراءَةِ قرآنٍ أو صدقَةٍ، وإنما شفعَ له صديقُه فإكراماً لصديقهِ الذي في الجنةِ أُخرِجَ هذا إليه- فيقولُ أهلُ النارِ: عَجَباً! اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مَجيد سبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يَصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
17