وفي عام 165هـ خرج الرشيد في حملة عسكرية أكبر من سابقتها نحو بلاد الروم، ووصل إلى الشاطئ المواجه للقسطنطينية، وتمكن من تحقيق نصرٍ ثانٍ على الروم، وعاد محملاً بالغنائم، فأطلق عليه المهدي منذ ذلك الحين لقب الرشيد، وجعل منه ولياً لعهده، فأوصى له بالخلافة بعد أخيه الهادي | وعندئذ يقدم إلينا الرشيد وقد تنكر في زي التجار، وتنكر معه بعض رفاق سمره وضجره الذين يلازمونه، مثل وزيره جعفر وسيافه مسرور، ومغنيه إسحاق وغيرهم، وعندئذ يطوف الجميع معًا أحياء بغداد، فتسوقهم المقادير إلى بقعة أو منزل يقعون فيه على أغرب المشاهد، ويسمعون أغرب القصص والروايات |
---|---|
توليه الخلافة ولي الخلافة بعهد معقود له بعد الهادي من أبيهما المهدي في ليلة السبت السادس عشر من ربيع الأول سنة سبعين ومائة بعد الهادي ، وكان يكنى أبا موسى فتكنى بأبي جعفر | موقف هارون الرشيد من العلويين حاول الرشيد في الأعوام الأولى من خلافته مسالمة العلويين والعفو عنهم، إلا أنه كان يخشى اثنين منهم فقد فرا عقب موقعة الفخ وهما إدريس بن عبدالله الذي نجح في الوصول إلى المغرب الأقصى وكون دولة الأدارسة، أما الآخر فهو يحيى بن عبدالله الذي استقر في بلاد الديلم، وتجمع حوله المتشيعون لأنه من أهل البيت فأرسل إليه الرشيد جيشًا بقيادة الفضل بن يحيى البرمكي لإرجاعه لحظيرة الخلافة، فأرجعهم إلى بغداد بكل حب |
بدايات هارون الرشيد حياة أي شخص تبدأ منذ تاريخ ولادته، لكن حياة هارون الرشيد يُمكن القول عنها أنها قد بدأت قبل ذلك، وتحديدًا أثناء ولادته وما حدث خلال تلك الفترة من أمور أهمها أن والده الملك محمد بن المهدي قد أنجبه من أم كانت مجرد فتاة رقيق، ولولا أنها قد تحررت بعد الزواج لما كان من الممكن أن يصل الرشيد إلى كل ما وصل إليه بعد ذلك، عمومًا، يُقال أن فتاة الرقيق هذه كانت شديدة الفراسة وأنها قد تمكنت من جعل الكثير من النفوذ السياسي لها، لدرجة أنها قد جعلت من ولديها اللذان أنجبتهما من محمد المهدي أميرين في سنٍ صغير، فهارون مثلًا كان لا يزال في السادسة من عمره، ورغم ذلك كان يُنظر له على أنه ولي العهد القادم للخلافة العباسية.
يقول المؤرخ في موقفه من البرامكة: "لعل أغرب ما وهم فيه المؤرخون، فعمى عليهم سبب تدمير هارون الرشيد للبرامكة أنهم عدوا بني برمك دعاة للعلويين، والمشكلة التاريخية إذا استبهم جانب منها تشعبت فيها الظنون واختلفت الآراء واضطربت الأحكام | وذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن هارون الرشيد: «كان يصلي في كل يوم 100 ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم» |
---|---|
فلما أسر، أخذه الرشيد وحبسه عند جعفر، فضاق صدره بالحبس، وكتب إلى الرشيد رقعة يشتمه فيها شتمًا قبيحًا، فلم يلتفت الرشيد إلى ذلك، لأنه عالم بالعزة العلوية والاستبسال الهاشمي، ولم يأمر إلا بالتوسع عليه والترفيه عنه فكان من أمره مع جعفر البرمكي ما كان"، ويقول المؤرخ في تبعات هذه التفصيلة "ويظهر أن الرواة خلطوا في رواياتهم بين يحيى الحسني وموسى الكاظم، حيث نسبت المناظرات وظروف القتل مرة إلى الأول ومرة إلى الثاني، ولعل معاصرتهما للرشيد وتقارب زمن وفاتهما أدت إلى هذه الشبهات بين الرجلين" | بعد ذلك خرج هارون الرشيد إلى طوس، وهي مدينة في أرض خراسان ليقاتل رافع بن الليث بعد أن قام بالثورة عليه، فاشتدّ به المرض فيها واعتلته العلة هناك، وتذكّر رؤياه التي رآها قبل، فأمر خادمه مسرور أن يحمل إليه من تربة ذلك البلد، فأتاه بتربة حمراء، فلما رآها الرشيد علم أنها نفس التربة التي شاهدها في وعلم أنها الأرض التي سيموت فيها، وما لبث أن مكث بعد ذلك ثلاث ليال ثم مات بعدها |
في عام توفي أبو جعفر المنصور وأصبح المهدي في منصب الخلافة ودفع بابنه هارون للتدرب على والرمي ، وقال محمد بن علي الخراساني: "الرشيد أول خليفة لعب بالصوّالجة والكرة، ورمى النشاب في البرجاس، وأول خليفة لعب بالشطرنج من بني العباس".
28في تلك الحكايات امتزج الخيال بالحقيقة، فصار على الباحث والمدقق تمييز ما هو حقيقي، عما صنعه خيال البشر، كالمكتوب عنه في أشهر كتب الأدب العربي "ألف ليلة وليلة" | نكبة البرامكة من أبرز الأحداث التي أثر حولها الجدل، وهي حادثة البرامكة، خاصة وأن الأسباب المباشرة لحدوثها لازالت مجهولة، وكل ما يقال عنها مجرد توقعات وتخمينات، ومن أقرب تلك التوقعات للواقع هو أن البرامكة زاد نفوذهم في الدولة الإسلامية بفضل السلطات الواسعة التي منحهم الرشيد إياها، ووصل الأمر بهم إلى تخطي حضرة الخلفية حتى في خلوته، وأورد المؤرخين في ذلك أقوالاً كثيرة، فتنتهي علاقة الرشيد بالبرامكة بقتل جعفر بن يحيي سنة 187هـ، ويسجن يحيي البرمكي وابنه الفضل في الرقة حتى وفاتهما |
---|---|
خلافته كان المهدي قد عقد للرشيد ولاية عهده فيكون خلفاً لأخيه الهادي في خلافة الدولة ، ولكن مع الإنجازات التي حققها الرشيد ولدت رغبة لدى المهدي وزوجته الخيزران بضرورة نقل الولاية من الهادي للرشيد، وقد أرسل المهدي في طلب الهادي الذي كان والياً على جرجان، ولكن الهادي فطن إلى رغبة أبيه في خلعه فرفض التوجه إليه، ما أثار غضب الخليفة فتوجه بنفسه على رأس جيش لجرجان وكان الرشيد برفقته، وقبل أن يصل الخليفة للهادي لقى حتفه، فما كان من الرشيد إلا إرسال خاتم الخلافة إلى الهادي وبايعه على الخلافة وأخذ له البيعة من قادة الجيش، وتوجه الهادي إلى بغداد وتولى الخلافة |
ومن زوجاته أيضا أمة العزيز وأم محمد ابنة صالح المسكين بنت عمه سليمان بن أبي جعفر، وتزوج أيضا ابنة عبد الله التي تعود بالنسب إلى عثمان بن عفان وتلقب الجرشية لأنها ولدت بجرش باليمن، ومن زوجاته أيضا عزيزة بنت صالح وهي بنت خاله أخو أمه الخيزران.
26