فلا بد من الاعتدال في الأمور كلها ، ونبينا — صلى الله عليه وسلم — حذر أن نغلو فيه غلوَّ مَن قبلنا ، فقال : « إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ » 33 | وإنما أمرنا سبحانه بحبه ، وحب رسوله — صلى الله عليه وسلم — وبحب من اتبعه ، واتبع رسوله — عليه الصلاة والسلام — بقدر ما عنده من الاتباع |
---|---|
فإن كان ذلكم الفعل ، أو ذلك الاعتقاد ، متجاوزًا لحدود الشرع فهو غلو ، وإن كان في حدود الشرع فليس غلوًّا ، وإن سماه مَن سماه غلوا | والعبادة اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، كالدعاء والاستغاثة والاستعاذة والذبح والنذر والسجود ، وغير ذلك |
وصلاح القلب يحصل بالعلم النافع ، والعمل الصالح.
29فعلى كُل حال هذا مذهبٌ باطِل، ومذهبٌ مُنكّر، كما إنَّ الطَرَف الثاني وهُم أهل التساهل والتراخي في الدين، والتفريط في الدين أيضًا مذمومون فلا إفراط ولا تفريط، لا غلّو ولا تساهل، وإنما ديننا وسط واعتدال ولله الحمد، وهو ما مشى عليه الرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو وأصحابهُ ومن جاءَ بعدهُ- قالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةَ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً، قَالُوا :َمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي ، فهؤلاء هم الفرقة الناجية، وما عداهم ممن خالفهم بغلّوٍ وتشدد أو بتساهل وتفريط فإنهُ ليس منهم، وهو مسئول عن مذهبهِ وإفراطهِ أو تفريطه، فالدين دين الوسط والاعتدال ولله الحمد، وهؤلاء الذين ينحونَّ منحى الخوارِج اليوم، هؤلاء هم خوارِج، خوارِج العصر، مذهبهم مذهب الخوارِج السابقين، ويُتخذ معهم الإجراء الذي اتُخذَ مع الخوارِج السابقين منعًا لِشرّهم، ودفعًا لضررهم عن الأُمة | ومتى خالفهما ، أو واحدًا منهما رددنا قوله |
---|---|
معنى الغلّ اصطلاحاً الغلّ هو العداوة المتأصلة المتغلغلة في القلب، وهذه العداوة هي كراهية تصاحبها رغبة في النفس للانتقام من الشخص المكروه إلى درجة إنهائه من الوجود، وهذا الغلّ لا يلزم أن يكون مذموماً دائماً لأنّه أثر يكون له مؤثر وسبب، وهذا السبب قد يكون صحيحاً مقبولاً، لذلك ذكر الله عز وجل في كتابه الغل عند ذكر أهل الجنة فقال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ ، وكما قال ابن منظور: هو إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها | وهذه المراحل الثلاث لخصها حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ لَرَجُلًا قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إذَا رُئِيَتْ عَلَيْهِ بَهْجَتُهُ، وَكَانَ رِدْءًا لِلْإِسْلَامِ أَعْثَرَهُ إلَى مَا شَاءَ اللهُ وَانْسَلَخَ مِنْهُ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ |
و أثر هذا التفريق يتضح حين التعامل مع الغلاة، فيعاقب الغالي غلوا مكفراً بما لا يعاقب به الغالي غلواً غير مكفر.
6