والحالُ أن من يسوؤه انتصار الدين وعلوّه، فهو كالمُستاء لانتصار الرسول نفسِه، لا فرق في ذلك، وإننا لنجدُ ذلك حين ننظرُ إلى الرابط اللطيف بين آيتين كريمتين: { إن تصبك حسنة تسؤهم}و التوب:50 وقوله سبحانه وتعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم} آل عمران:120 ، ووجهُ الاشتراك أن بُغض انتصار المسلمين ليس لجنسِهم أو عرقِهم أو لونهم، وإنما هو لمُعتقدهم ودينهم، فمن ساءه هذا الانتصار فهو بمثابة من ساءه انتصار الرسول نفسه، لأن المؤمنين هم أتباعُه وأولياؤه |
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ رواه البخاري 34 ومسلم 58 فمن اتصف من أهل التوحيد بشيء من ذلك وقع في النفاق الأصغر بحسب ما فعله أو اتصف به ؛ لأنه شابه المنافقين في بعض أعمالهم ، وإن لم يكن مثلهم تماما.
13ومن الآيات الدالة على هذه الصفة قوله تعالى :{إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} التوبة: 50 ، يقول ابن حزم — رحمه الله -: " | والثاني النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل ، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك |
---|---|
ومنه : التكاسل عن الصلاة مع الجماعة في المسجد ؛ فإنه من صفات المنافقين ، فالنفاق شر ، وخطير جدًّا ، وكان الصحابة يتخوفون من الوقوع فيه ، قال : أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله — صلى الله عليه وسلم — كُلُّهم يخاف النفاق على نفسه | فائدة: تسمية الكفر الأصغر بالكفر العملي هذا صحيح في الجملة لكن ليس دقيقا، لأنّ هناك من الكفر العملي ما يخرج من الملّة وهو أكبر، كسجود للصنم، ومظاهرة الكفّار على المسلمين ونحوه ، ولذا لمّا أصبح الكفر العملي منه ما هو مخرج من الملة، ومنه ما هو غير مخرج - أصغر - قلت ليس بدقيق ، ولذا يقال الكفر الاصغر في كلام العلماء يسمى : كفر دون كفر، أو الكفر الأصغر، أو كفر لا يخرج من الملة ؟ أحسنها الأوّل ، لأنّه هو الذي جاء كثيرا على ألسنة السلف ، ثم الثاني قياسا على حديث «أخوف ما أخاف عليكم : الشرك الأصغر» ، ثمّ الثالث |
راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : ،.
ثم نرى في النصّ أن شيخ الإسلام ذكر جملةً من الأمثلة على ما يكون من النفاق الأكبر، واعتبرها الإمام محمد بن عبد الوهاب أقساماً لهذا النوع من النفاق، فقال: "فأما النفاق الاعتقادي فهو ستة أنواع: تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض ما جاء به الرسول، أو المسرّة بانخفاض دين الرسول، أو الكراهية بانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار" | |
---|---|
وفي الحقيقةِ أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليست من باب التقسيم الذي تعارف عليه المناطقة طلباً لاستيفاء تلك الأقسام وذكرِها جميعاً، وإخراج غيرها من تلك القسمة، بما اصطُلح عليه بأنه: "جامعٌ مانع"، بل هو مجرّد تمثيلٍ فقط وذكرٍ لبعض الصور التي يصدق عليها وصفُ النفاق الأكبر، ويمكن لحظ ذلك بالنظر إلى نصوصٍ أخرى تدلّ على علاماتٍ ظاهرةٍ تصدقُ على هذا النوع من النفاق، نحو ما هو مذكور في قوله تعالى: { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ | النفاق مراتبٌ وليس على مرتبة واحدة، وهذه حقيقةٌ يمكن لحظُها عند النظر إلى صفات أهل النفاق والمنافقين والذم الوارد في حقّهم؛ لأن بعض تلك الصفات مما يمكن أن يقع فيها المسلم وليس فيها إبطالٌ لأصل الدين أو جوهره |
ومن مظاهر النفاق الأكبر: كراهيّة انتصار الدين، والعمدة في ذلك قوله تعالى: { إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}، فالمنافقون لا يريدون أن يعايشوا انتصارات المسلمين في جميع الميادين، سواءٌ في ذلك ميادين القتال والنزال، وميادين والإصلاح، وميادين التعليم والتثقيف، وكلّما علتْ ألويةُ القبول والانتشار للإسلام، زاد غيظهم وحَنَقُهم، وهذا -كما يقول الشوكاني-، وهذا من خبث ضمائر المنافقين وسوء أفعالهم، والإخبار بعظيم عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين.