وقد ذهب الحنابلة إلى أنّ ترك الجمع في السفر أفضل من الإتيان به؛ فهو غير مُستحَبّ عندهم، وكذلك الشافعيّة؛ فهم يرون أنّ ترك الجمع أفضل من الإتيان به، على خِلاف القصر؛ فالأفضل الإتيان به، وذهب المالكية إلى أنّ أداء كلّ صلاة في وقتها أفضل من الجمع | ويُسنُّ أيضاً للمسافر بالإضافة للقصر؛ أن يجمع بين الصَّلوات المفروضة إذا جدَّ به السّير، وإن نزل في بلدٍ أو مكانٍ ما فيجمع على حسب الحاجة، بحيث ، وبين صلاة المغرب والعشاء في وقت أحد هذه الصَّلوات، على أن يكون أداء الصَّلاة المجموعة مُرتَّباً؛ فيبدأ بالظُّهر ثم العصر عند جمعهما، سواءً كان الجمع تقديماً في وقت الظُّهر أو تأخيراً في وقت العصر، كما يبدأ بأداء صلاة المغرب قبل العشاء سواءً كان ذلك جمعُ تقديمٍ في وقت المَغرب، أو جمع تأخيٍر في وقت العشاء |
---|---|
ويجوز للمسافر بالطائرة الجمع والقصر كغيره من المسافرين مع مراعاة الشروط المُتعلِّقة بالسفر، والمسافة التي سبق ذكرها | سامي نمر أبو عرجة، ، غزة: مجلة الجامعة الإسلامية، صفحة 334-336 |
وأمَّا الإجماع؛ فيُعدُّ القصر من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة، وقد أجمعت الأمَّة عليه؛ وبناءً على ذلك يُسنُّ الأخذ بهذه الرُّخصة، والعمل بها أفضل وأولى من تركها، بل إنَّ بعض أهل العلم كرِه إكمال الصَّلاة وعدم قصرها في حال السَّفر؛ بسبب شدَّة مُداومة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصحابته الكرام عليها.
2أمَّا صلاة التَّطوّع؛ مثل صلاة الضُّحى، وصلاة قيام اللّيل وغيرها، فتُشرع في السَّفر كما هو الحال في الحضر، حيث اتَّفق العلماء على استحباب النَّوافل المُطلقة في حال السَّفر | حكم جمع الصلاة في السفر يُسنُّ في السَّفر والحضر إذا وُجد سببه ودعت الحاجة له؛ لأنَّه من رُخص الله -تعالى-، والله يحب أن تؤتى رخصه، كما أنَّ فيه اقتداء بالنَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وفيه تخفيف على المسافر لِما في السَّفر من المشقَّة، ومن أدلَّة مشروعيَّة الجمع في السَّفر حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجْمَعُ بيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ إذَا جَدَّ به السَّيْرُ ، وذهب الشافعيَّة والحنابلة إلى اشتراط السَّفر الطّويل والمباح لجواز الجمع، بخلاف المالكيَّة الذين أجازوا الجَمع بغض النَّظر عن طول مسافة السَّفر |
---|---|
الصلوات التي تُجمع وتُقصر في السفر في السَّفر هي صلاة الظُّهر، والعصر، والعشاء، وأمَّا صلاتيِّ المغرب والفجر فلا تُقصران، وبناءً على ذلك تؤدَّى صلاة الظُّهر، والعصر، والعشاء ركعتين في حال السَّفر، وتبقى صلاتيِّ الفجر والمغرب على حالِهما، أما سبب اقتصار القَصر على الصَّلاة الرُّباعية دون الثُّلاثية والثُّنائية فذلك لأنه إذا قُصرت صلاة الفجر يبقي من الصَّلاة ركعة واحدة، ولا نظير لها في الفرض، وإذا قُصرت صلاة المغرب والتي تعد وتر النَّهار -كما رود في الحديث الشريف- بطلَ كونها وتراً، ولأنَّ القصر هو سقوط نِصف الصَّلاة، وبعد سقوط نِصف صلاة الفجر والمغرب لا يَبقى نِصفٌ مشروع | كما أنّ له الاختيار بين جَمع التَّقديم والتَّأخير في حال نزوله، أمَّا إن كان سائراً؛ فيُسنُّ إذا غابت الشَّمس قبل رحيله أن يَجمع بين صلاة المغرب والعشاء جمعَ تقديم -أي في وقت صلاة المغرب-، أمَّا إن رحل قبل غياب الشّمس فيَجمع بين المغرب والعشاء جَمع تأخير -أي في وقت صلاة العشاء-، كذلك إذا زالت الشَّمس قبل أن يرحل فيَجمع بين الظُّهر والعصر جمع تقديم، أمَّا إن بدأ بالسَّير قبل زوال الشَّمس يجمع بينهما جمعَ تأخير |
.
12وتجدر الإشارة إلى أنَّ المُعتبر في القَصر المَكان وليس الزَّمان؛ فلو نسيَ المُسافر صلاةً في الحضر وتذكَّرها في السَّفر فإنَّه يقصُرها، وإن ذكر صلاة سفرٍ في الحضر أتمَّها، وإذا دخل وقتُ الصَّلاة ثمَّ سافر فله أن يقصُرها، وإن دخل وقتُ الصَّلاة في سفره ثمَّ عاد إلى بلده فعليه أن يتمَّها ولا يجوز له قصرُها | أمَّا بالنِّسبة ؛ فيُسنُّ ألَّا يُصلِّيها المسافر في سفره؛ ودليلُ ذلك حديث ابن عمر أيضاً -رضي الله عنهما- قال: صَحِبْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ |
---|---|
وهبة الزحيلي، ، دمشق: دار الفكر ، صفحة 1367-1370، جزء الثاني | أمّا قصر الصلاة في السفر فتكون بأن يُصلّي ركعتَين بدلاً من أربع، وكذا العصر، والعشاء، ولا يجوز له أن يقصر كلّاً من صلاتَي المغرب، ؛ إذ إنّ عليه أن يُصلّي المغرب ثلاثاً، والفجر اثنتَين |
والقَصر مشروعٌ في كل سفرٍ تُقَصر في مثله الصَّلاة؛ سواءً كان السَّفر واجباً والعُمرة والجِهاد، أو مستحبَّاً كالسَّفر لزيارة الوالدين، أو مباحاً كالسَّفر للنُّزهة، وقد تنوَّعت آراء العُلماء في حكم القصر هل هو رُخصَةٌ -اختياريٌّ- أم عزيمةٌ -واجبٌ-؛ فقال الحنفيَّة بوجوب القَصر في حال السَّفر، وأنَّ فرض المسافر ركعتين فقط ولا يجوز له الزَّيادة عليهما، وقال المالكيَّة إنَّ القصر سُنَّة مؤكَّدة؛ لمُداومة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على فعله؛ حيث لم يرد عنه -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه أتمَّ صلاةً قط في حال سفره، وقال الشافعيَّة والحنابلة إنَّ القصر رخصةٌ على سبيل التَّخيير؛ فللمسافر أن يقصر أو أن يُتمّ، إلا أنَّ القصر أفضل من الإتمام لمُدوامة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عليه.
4